شاحنات النفايات المعدية

شاحنات النفايات المعدية

قفزت إلى التاكسي ذات يوم متجهاً إلى المطار، وبينما كان السائق ملتزماً بمساره الصحيح، تحركت سيارة من موقف السيارات بشكل مفاجئ وسارت أمامنا، ضغط سائق التاكسي بقوة على الفرامل، لتنزلق السيارة وتتوقف قبل إنشات قليلة من الاصطدام.
أدار سائق السيارة الأخرى رأسه نحونا وانطلق بالصراخ تجاهنا، لكن سائق التاكسي ابتسم ولوح له بود وتمتم بكلمات عرفت أنها دعاء واستغفار. ..... استغربت جداً من هدوءه واتزانه وبرودة أعصابه وسألته: ماذا تقول يا رجل؟ لقد كاد هذا الرجل أن يرسلنا للمستشفى برعونته.
هنا لقنني السائق درساً وأصبحت أُسميه فيما بعد: شاحنة النفايات.

ثم قال لي هذا السائق الذكي الفهيم: يا بني كثير من الناس، نسأل الله لنا ولهم العافية والصلاح، يمثلون دور شاحنة النفايات، يدورون في الشوارع كما تدور شاحنات النفايات في الأنحاء محملة بأكوام النفايات، لكنهم محملون بنفايات من نوع آخر: إنها نفايات الإحباط والغضب والعصبية والشتيمة وخيبة الأمل....
وعندما تتراكم هذه النفايات داخلهم، ولا يستطيعون دفنها أو التعامل معها، عندئذٍ يحتاجون إلى إفراغها في مكان ما، وفي بعض الأحيان يفرغوها عليك، فلا تأخذ الأمر بشكل شخصي، فقد صادف أنك كنت تمر لحظة إفراغها... فقط ابتسم، ولوح لهم بيديك، وادع الله تعالى لهم أن يهدي قلوبهم ويوسع صدورهم ليكبحوا جماح نفوسهم الهائجة ويقتدوا بسنن الصالحين في التعامل مع الناس...

إنك لو تصرفت بهذه الطريقة سيكون الناتج لك انت وليس لهم فبدعائك كسبت أجرا بدلاً من أوزار ستعود عليك من شتمهم، وستصادف بالطبع كل يوم أنواعاً من هؤلاء، وخاصة لو كنت في البلاد التي يكثر فيها الزحمة والتكاسي .. فلو أتيت لتحصي سبك لهم ودعائك عليهم سترى أنه سيتراكم عليك مع مرور الأيام والشهور والسنوات قوائم طويلة من الحساب كله ستدفع ثمنه يوم الوقوف بين يدي الله، وليس هذا وحسب وستعود نفس عادة تنقلها لغيرك ليصبح غيرك مثلك ويتفشى المرض.... لكن يا بني بإمكانك أن تنجو من كل هذا إن صبرت عليهم واستغفرت ودعوت لهم.

لكن انتبه أن تأخذ عنهم نفاياتهم تلك وتلقيها على أشخاص آخرين في العمل أو في البيت أو في الطريق. إن لوحت لهم بود لابد أن تترك أثراً في نفوسهم وسيفكرون فيما بعد بأن الذي فعلته معهم ليس من عادة الشارع فتكون قد خلصتهم من سوء الأدب وعلمتهم حسن الأخلاق والأدب وهذا عمل جيد.

لقد ذكرني هذا الرجل صاحب الأخلاق الحسنة بصديق سألته ذات مرة إذا كان يتضايق من زحمة السيارات وماذا يفعل في أكثر من ساعة يومياً يقضيها في زحمة الطريق، فقال لي: عندما أدخل في زحمة الطريق والسيارات، أمسك مسبحتي (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم – الحمد لله، لا إله إلا الله) فما أصل إلى وجهتي إلا وأكون قد ذكرت الله أكثر من ألف مرة!...وفي طريق عودتي عند حركة السير البطيئة و الاشارات المملة أفتح المصحف وأقرأ ما تيسر... وإنني لو أهدرت وقتي أنظر إلى فلان وأفعاله وسيارته وأنفخ في وجه فلان وأشتم فلان، لانقلب حالي رأساً على عقب ولوصلت إلى البيت بضغط مرتفع، وحالة نفسية يرثى لها، وفي أغلب الأحيان تلقي بما في جعبتك على رأس زوجتك المسكينة والأولاد الذين لا ذنب 00 فأيهما أفضل؟



منقول